صنع في العراق
كيف نستعيد تلك العبارة “صنع في العراق" التي كانت العلامة العراقية الشهيرة وواحدة من أسباب مدعاة الفخر للمواطن العراقي عندما يدور الحديث عن “المصنوع المحلي" قبل عقود من الزمن… هذا المنتج الذي كنا نفتخر به ونتبارى على أن يكون الأفضل دائما.
ومع توقف الكثير من المعامل والمؤسسات الصناعية الوطنية بسبب الحروب العبثية والحصار، وما تلاها من تعرض البلاد الى الإرهاب بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وانتشار الفساد والتهريب فقد توقفت أغلب المصانع والمعامل في البلد وصارت هذه العلامة في خبر كان.
وقد اصاب الضرر الأكبر بنية القطاع الخاص، الذي برز في صناعات الادوية والسكر والاسمنت والجرارات الزراعية والزيوت والجلود والتمور، ما أدى الى خسارة الأموال وانتشار البطالة وتراجع التنمية البشرية، وغيرها من المضاعفات المدمرة لاقتصاد أي بلد.
إن هذا الموضوع على درجة عالية من الأهمية ويشغل مساحة واسعة من الجدل والمناقشات في الكثير من الندوات والمحاضرات التي تقام بين فترة وأخرى، مؤشرة الكثير من الأخطار الناجمة عن انسحاب الصناعة العراقية من السوق والتنافس وانزلاق الدورة الاقتصادية الى تجارة المصنوعات الاجنبية التي كلفت الدولة الكثير من الأموال وأضرت بالعملة والموازنات وفاقمت العجز الى حد خطير.
السوق العراقي ومراحله
فقد تلت مرحلة سياسة السوق التي انتهجتها الحكومات بعد العام 2003 مشكلات كثيرة لعدم استيعاب ملاكات الدولة الكثير من قواعد الإدارة اللامركزية، فالسوق المحلية صارت الآن فارغة تماما من أي إنتاج، والمصانع الموجودة لم تعد تلبي حاجة السوق من حيث جودة المنتج وتكاليفه، فالبضاعة المستوردة صارت أكثر كفاءة وأقل كلفة وأكثر وفرة من المنتج المحلي الذي بدأ يتضاءل أمام البضائع المستوردة ومن ثم انكفأ واختفى من السوق تماما، كانت هناك عدة محاولات لإنعاش الصناعة والزراعة المحلية والمشاريع الصغيرة من خلال منح قروض صناعية وزراعية لإعادة تشغيل المصانع التي أوقفها المستورد من البضائع.
ان عملية إعادة الروح للكيان الصناعي العليل كانت صعبة، فروح الصناعي فقدت الثقة بنفسها وبالسياسات الاقتصادية السائدة، بالإضافة الى عدم وجود ضمانات حكومية لحماية المنتج، وغياب وجود رقابة وسيطرة نوعية للمنتجات الواردة للعراق والسماح للتاجر باستيراد حتى التمور من الدول المجاورة وقد كرست ذلك حالة اليأس لدى المنتجين المحليين، فالفلاح مثلا لم يعد يتمكن من تسويق محاصيله الزراعية، حتى الفجل أصبح من ضمن قائمة الاستيراد والحكومة غير مهتمة لهذا الانحدار، بل كانت في أغلب الأحيان تتعمد هذه السياسة تجاه المنتج الوطني فهناك مصانع لها قدرة تنافسية كبيرة مع المنتج المستورد.
القطاع الخاص
من جانبه فان القطاع الخاص أصبح الآن مقاولا للقطاع العام حاله حال المقاولين الآخرين، وبمعنى آخر انه يتوخى الربح من الدولة من العوائد النفطية لقاء خدمات معينة ينجزها وفق اتفاقيات وعقود، كما أن القطاع الخاص يندفع دوما في الأنشطة ذات الربح السريع والتي ترتكز على الربح الفردي بكثافة العمل وقلة رأس المال، ونظرا لاعتماد القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي فقد حد من ظاهرة المنافسة تجاه السلع والخدمات المستوردة، وهذا ما نلاحظه في أسواقنا المحلية الآن
ويواجه القطاع الخاص ورجال الأعمال العراقيون معوقات كبيرة بسبب بيروقراطية الأجهزة الحكومية مع استمرار قوانين وتشريعات قديمة ومعرقلة، وتحتاج الى إعادة نظر وإصلاحات جذرية، لهذا يجب على الدولة التخطيط أولا وأن تعيد النظر بتلك التشريعات والقوانين القديمة وإيجاد الحلول المناسبة لها والتي تلائم المرحلة الراهنة على أقل تقدير ووفق ما يعاني منه البلد وما يحتاجه لتطوير القطاع الصناعي بصورة عامة والقطاع الخاص بصورة خاصة.
إن “علامة صنع في العراق ما زالت في الذاكرة ولا يخلو البيت العراقي في الماضي من سلع فيها تلك العلامة التي تميزها عن غيرها من العلامات من حيث الجودة والمتانة وأسعار مناسبة، لذلك فإن الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق الآن هو الموضوع الاهم